وعودٌ تتكرّر... والخديعة تُصاغ بلغة ناعمة بقلم الاعلامي خضر رسلان منذ قرنٍ وأكثر، ما زال ما يُسمّى المجتمع الدولي يجيد ال
وعودٌ تتكرّر... والخديعة تُصاغ بلغة ناعمة
بقلم الاعلامي خضر رسلان
منذ قرنٍ وأكثر، ما زال ما يُسمّى "المجتمع الدولي" يجيد اللعبة ذاتها: يلوّح بالحرية، ويتحدّث عن السيادة والاستقرار، لكنه في الواقع ينسج قيودًا جديدة، بأدوات أقل صخبًا، وأكثر خداعًا.
مرةً باسم الانتداب، ومرةً باسم "الشرعية الدولية"، واليوم باسم "الحياد"، و"نزع السلاح"، و"إعادة التوازن."
لقد دخلوا بلادنا قبل مئة عام تحت عنوان "التحرير"، فشرّعوا الانتداب، وقسّموا المنطقة، واستباحوا فلسطين. أصدروا قرار التقسيم عام 1948، ثم القرار 194 بعودة اللاجئين الفلسطينيين، فتوالت بعدها القرارات التي بقيت حبرًا على ورق، بل تضاعف الحبر، وتضاعفت معه أعداد اللاجئين، وتكرّر الخذلان.
عام 1967، اكتمل احتلال فلسطين، وأضيفت مأساة جديدة. وبعد كل قرار، كان العالم ينفض يديه من المسؤولية، فيما الشعوب وحدها تدفع الثمن.
في لبنان، لم تكن التجربة مختلفة كثيرًا. فمنذ العدوان الإسرائيلي على الجنوب في السبعينيات، مرورًا بالغزو الشامل عام 1982، ثم مجازر صبرا وشاتيلا، وصولًا إلى عدوان تموز 2006، كان المجتمع الدولي شاهد زور.
تُرتكب المجازر، وتُهدم البيوت، ويُقصف البشر والحجر، فيما البيانات الغربية تُصاغ بلغة الإنشاء: "نعبّر عن قلقنا"، "ندعو إلى التهدئة"، ونحث على ضبط النفس"... بينما طائرات العدو تواصل قصفها، والمدنيون يُدفنون تحت الركام.
واليوم، يُعاد المشهد بصيغة أكثر دهاءً. يُطلب من اللبنانيين نزع سلاح المقاومة، لا مقابل ضمانات سياسية أو سيادية واضحة، بل مقابل وعود اقتصادية وإنمائية لا يضمن أحد تنفيذها، وانسحاب جزئي ومشروط من بعض النقاط الحدودية التي تحتلها قوات العدو الإسرائيلي.
والأنكى من ذلك، أن يُطرح موضوع عودة النازحين السوريين كـ"تسهيل" مبهم، بلا أي التزام أو ضمان، بل مجرّد لغة فضفاضة لا ترقى إلى مستوى القرار السيادي أو الحلّ الجذري.
من يطلب من اللبنانيين ذلك، هم أنفسهم من لم يكترثوا لخروقات العدو اليومية، ولا لتحليق طائراته فوق العاصمة، ولا لتهديداته المستمرة بحق لبنان أرضًا وبحرًا.
هم أنفسهم الذين لم ينفّذوا قرار وقف إطلاق النار في 2006 تنفيذًا كاملًا، بل اكتفوا بحصر السلاح جنوب الليطاني، تاركين سماء لبنان مفتوحة لطيران العدو، وتحت سيطرة خرق يومي موثّق من "اليونيفيل"، التي لا تملك إلا التبليغ، لا الردع.
لكن أيُّ عاقل يسلّم مفاتيح أمنه بيد من لم يفِ بوعدٍ واحدٍ طوال تاريخه؟
أيُّ سياديٍّ يساوي بين من حرّر، ومن ساهم تاريخيًا في تسليم الأرض للغاصب؟
الذين يطالبون اليوم بتسليم سلاح المقاومة بحجة "الشرعية الدولية"، عليهم أن يجيبوا: متى أنصفتكم تلك الشرعية؟
ألم تُترك غزة تواجه الحصار والتجويع والقصف وحدها رغم كل قرارات الأمم المتحدة؟
ألم تُبتلع الجولان بصمت؟ وتُعترف به "إسرائيليًا" بقرار ترامب، دون أن يتحرك أحد؟
ألم يُنقض القرار 425 الصادر عام 1978، ولم يُنفّذ إلا بعد 22 عامًا، بفعل المقاومة لا بفعل المجتمع الدولي؟
لقد صيغت الخديعة بلغة ناعمة. تُغلف بالشعارات، وتُقدَّم كحلٍّ حضاري. لكنها في جوهرها استنساخ للمسرحية القديمة: تجريد الشعوب من عناصر قوّتها، قبل أن تُترك وحدها في مواجهة العدو.
لبنان ليس بلدًا بلا ذاكرة. هذه الأرض عرفت من دافع عنها، ومن تآمر عليها، ومن صمت على احتلالها، ومن خانها باسم "الدبلوماسية" و"التوازنات الإقليمية .
أمام كل تلك السوابق، أي عاقل يثق بوعود لا تملك محكمة دولية واحدة أو هيئة أممية واحدة آلية لفرض تنفيذها؟
ولذلك، فإن كل نقاش حول "السلاح" يجب أن يبدأ أولًا بخروج العدو من أرضنا، وكفّ يده عن سمائنا وحدودنا ومياهنا.
ما دون ذلك، حديث بلا معنى، ووعود بلا قيمة، وتجارب سابقة نعرف نهايتها جيدًا.
هذه المرة، لن تنطلي الخدعة.
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها